اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
93447 مشاهدة
الإيمان بالأدلة التي وردت في الصفات والشهادة بصحتها وبكل ما ثبت من الأدلة

وقوله:
( فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدِّلت رواته، نؤمن به ، ولا نرده ولا نجحده، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره، ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين، ونعلم أن الله - سبحانه وتعالى - لا شبيه له ولا نظير لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( الشورى:11 ) وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال؛ فإن الله - تعالى - بخلافه. )


شرح:
 لما ذكر الأحاديث التي في الصفات والآيات، أخبر بأن هذا ونحوه دلت عليه النصوص التي هي ثابتة يقينًا من الأحاديث الصحيحة - كحديث النزول ونحوه - ومن الآيات، فهذه النصوص نؤمن بها ونتقبلها، ونشهد بصحتها، ونثبتها صفات لله تعالى يقينية حقيقية، ولكن لا نكيفها ، ولا نمثلها بصفات المخلوقين، بل ننزه الرب تعالى عن سمات المخلوقين وعن صفات المحدثين.
والصفات والسمات متقاربة ، فالصفة هي ما يمكن أن ينعت به المنعوت، ولذلك يقولون في النعت إنه صفة ، وأما السمة فهي العلامة -اشتقاقًا من الوسم في الدابة - ويقال: وسمت الدابة سمة، فالسمات هي العلامات ، فالله تعالى ينزه عن صفات المخلوقين وعن سمات المحدثين.
ومعلوم أن المخلوقين محدثون، فالمخلوق حادث بعد أن كان معدومًا، ويأتي عليه العدم كما كان معدومًا ثم وجد، ثم يموت ثم يوجد، قال تعالى: وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ( البقرة: 28 ) .
فإذا أتى عليه العدم دل على نقصه، فلا يشبه به الخالق الذي لا يأتي عليه العدم، قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ( الفرقان:58 ) فهذه الصفات نتقبلها ، ولا ننكر شيئًا منها ولا نرده، ونتوقف عندها ولا نقول من قبل أنفسنا شيئًا وإذا أثبتناها لم نشبهها بصفات المخلوق فنستحضر هذه الآية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( الشورى:11 ) وقد تكررت هذه الآية في الشرح لأن فيها ردًّا على النفاة ، وردًّا على المشبهة.
ثم ذكر أن كل ما خطر بالبال، وكل ما دار في الخيال ، فإن الرب بخلافه، كل ما تصوره المتصور أو تخيله في ذهنه، أو خطر بباله من الهيئات والكيفيات أو الصفات فإن الله تعالى بخلاف ذلك، ولعل الدليل على ذلك قوله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ( طه:110 ) فإذا كانوا لا يحيطون به علمًا فإنهم لو فكروا، وقدروا، ونظروا، وظنوا، وحدسوا، وتخيلوا أن الله تعالى على هذه الهيئة، أو على هذه الصفة فإن كل ذلك ليس بصواب، والله بخلاف ذلك، ولا يحيطون به علمًا.